مشيخة جامع الزيتونة المعمور

تأسس جامع الزيتونة منارة للتعليم الإسلامي بتونس سنة 116هجري الموافق 734م، وأصبح ركيزة لترسيخ العقيدة الإسلامية، ومركزا من أنشط المراكز العلمية والفقهية داخل البلاد التونسية وخارجها.
وقد صدر أول أمر علي رسمي يتعلق بتنظيم التعليم بجامع الزيتونة في عهد المشير أحمد باي بتاريخ 1258هجري الموافق ل1842م، من خلال ما عرف بالمعلقة الأحمدية، عند باب الشفاء أحد الأبواب المشهورة ببيت الصلاة في جامع الزيتونة المعمور بالعاصمة تونس.
وتكونت بمقتضى هذا الأمر العلي النظارة العلمية الأولى، وتسمى أيضا مشيخة الجامع الأعظم، ويراد بهذا اللقب الهيئة العلمية التي تشرف على التعليم الديني بالبلاد التونسية، وتسهر على نشر تعاليم الإسلام ومفاهيمه الصحيحة في وسطية واعتدال، ويقوم بهذه المهمة هيئة كبار العلماء بالبلاد، فقد كانت المشيخة في السابق مكونة من ثمانية أعلام، شيخ الإسلام المالكي، وشيخ الإسلام الحنفي، والمفتي الحنفي، والمفتي المالكي، ومعهم أربعة آخرون من الطبقة الأولى من هيئة التدريس، وعليهم مسؤولية المؤسسة الزيتونة كاملة، تشمل وضع المناهج وتقرير الكتب الدراسية، واختيار الأساتذة المدرسين، ومراقبة سير الدروس حيث كل يوم اثنان منهم، وتنظيم الامتحانات، إلى غير ذلك من المسؤوليات المهمة في هذه المؤسسة.
وفي عهد محمد الصادق باي سنة 1874هجري تم ضبط مختلف العلوم التي تدرس بجامع الزيتونة إلى جانب تنظيم شؤون المدرسين والطلبة.
وفي اليوم الرابع من ذي الحجة 1351 هجري الموافق ل31 مارس 1933م، صدر الأمر العلي في تنظيم إدارة الجامع وطرق التدريس فيه، كما أحدث ترتيب جديد في سلم الشهادات العلمية الزيتونية، وقد وقع تنقيح هدا الأمر العلي مرتين، الأولى سنة 1951م، والثانية سنة 1954م، حيث أدخلت العلوم العصرية وأحدثت الشعبة العصرية الزيتونية.
واستمر العمل بتلك النصوص والأوامر العلية إلى تاريخ 1958م، حيث تم إلغاء التعليم الزيتوني بحجة توحيد التعليم بالبلاد، وكانت آخر دفعة تتخرج من التعليم الزيتوني سنة 1964م، وقد ألغيت آنذاك وزارة الأوقاف الإسلامية، وعوضت بإدارة الشعائر الدينية تحت إشراف الوزارة الأولى.
التعليم الزيتوني في سطور
بتاريخ 2 فيفري 1988م أحدثت كتابة الدولة للشؤون الدينية، وتم من خلالها استئناف التعليم الزيتوني عملا بالقوانين السالفة، إلا أنه تم إيقافه من جديد بعد اقتحام المقر الإداري وتبديل الأقفال في 24 جويلية 1990م.
وبعد الثورة ،،، وبتاريخ 19 مارس 2012م أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكمها القاضي بإزالة الأقفال عن مقر الهيئة العلمية، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وتمكين الهيئة من مقرها وممارسة مهامها السابقة في الإشراف على التعليم الزيتوني في القضية عدد 9506، وهو حكم أصبح باتا، واستنادا لهذا الحكم استأنف جامع الزيتونة المعمور أداء رسالته، وعاد التعليم الزيتوني في 12 ماي 2012م، في يوم مشهود حضره ثلاثة من الوزراء (الشؤون الدينية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي)، في جمع غفير من مشايخ الزيتونة والمثقفين والمواطنين في تغطية إعلامية كان لها الصدى الواسع داخل البلاد التونسية وخارجها .
ومنذ ذلك اليوم انطلقت مشيخة الزيتونة في إحياء دور جامع الزيتونة التاريخي والحضاري، ونظرا للإقبال الكبير لدى التونسيين، ورغبتهم الملحة في تلقي العلوم الشرعية جعلت الهيئة العلمية التعليم الزيتوني على نظامين، نظام للمتفرغين، ونظام لغير المتفرغين.
-الأول نظام كامل الأسبوعللمتفرغين، ومدته ست سنوات، يتناول فيه الطلبة العلوم النقلية والعقلية بكثافة على غرار ما كان معمولا به في الشعبة العصرية سابقا، أيام الشيخ المجدد الإمام محمد الطاهر ابن عاشور، بهدف تخريج علماء أثبات في العلوم الدينية،حيث يقوم بتدريسهم أساتذة متخصصون أكفاء، كما سنبين ذلك من خلال ذكر السيرة الذاتية لكل أستاذ، وتتوج هذه المرحلة بشهادة في العلوم الشرعية والعربية، تعادل في مستواها العلمي الثانوية الشرعية في بلاد الشام والأزهر الشريف.
-الثاني نظام آخر الأسبوع (يومي السبت والأحد) لغير المتفرغين، يتلقى فيها الطلبة قسطا وافرا من العلوم الشرعية والعربية، ومدته خمس سنوات يتوج بالحصول على شهادة الأهلية، وسنتان أخريان تتوج بشهادة التحصيل.
كما افتتحت المشيخة هذه السنة نظام التعليم عن بعد، لمن لا يستطيع الحضور إلى قاعات الدرس من الراغبين في العلم الشرعي من داخل تونس وخارجها، واعتمدت فيها المشيخة نظام آخر الأسبوع، وهي فرصة عظيمة لمن لم يتيسر له التفرغ للعلم الشرعي، حتى يتحصل على زاد علمي وفير في مؤسسة عريقة ، على أيدي أساتذة متخصصين، ومن خلال منهج مدروس ينتقل فيه الطالب من كتاب إلى أعلى منه، حتى تتكون عنده ملكة علمية سليمة،تؤهله للفهم السليم وحسن التعامل مع النصوص الشرعية، دون قفز على مراحل التعليم وما يسببه من خلل في الفهم ونقص في التكوين.
